أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

محاسبة "النهضة" وتعزيز مسار "قيس سعيد" في تونس

27 فبراير، 2023


بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية في تونس التي جرت في 17 ديسمبر 2022 و29 يناير 2023، يمكن القول إن الرئيس قيس سعيد استكمل جزءاً مهماً من المسار السياسي والدستوري الذي وعد به على طريق إصلاح الحياة السياسية في البلاد، وإعادتها إلى طريق العمل بالمؤسسات وفي طليعتها البرلمان، الذي أعاد صياغته بما يتلاءم وتصوره العام للعمل السياسي بعيداً عن هيمنة حركة النهضة الإخوانية التي سيطرت على المشهد العام منذ عام 2011.

مرحلة المحاسبة:

كان لافتاً أنه على الرغم من تشكيك ومهاجمة حركة النهضة للانتخابات التشريعية الأخيرة، وكذلك ما أصبح يُعرف بـ"جبهة الخلاص"، التي تضم إلى جانب النهضة الطبقة السياسية القديمة المتحالفة معها أو الدائرة في فلكها، فإن ذلك لم يؤثر في عزم الرئيس سعيد، أو يدفعه إلى البحث عن تفاهم مع هؤلاء؛ نظراً إلى إيمانه كما قال في أكثر من تصريح بعد هذه الانتخابات أن تراجع نسبة الإقبال على التصويت فيها، ليس احتجاجاً على سياسته بقدر ما هو تعبير عن السخط على البرلمان الذي تدهورت سمعته ومكانته بين التونسيين بشكل كبير، وأن التونسيين غير حريصين على الانتخابات البرلمانية قدر حرصهم على محاسبة الذين تسببوا في تدهور الوضع العام.

وكان واضحاً بعد الانتخابات البرلمانية أن الرئيس التونسي لن يبقى مكتوف الأيدي، بعد أن نجح، بالرغم من كل العراقيل، في إرساء برلمان جديد، سيتسلم مهامه في الأسابيع القليلة المقبلة، وذلك بالانتقال من تطهير المؤسسات من الشخصيات الإخوانية والموالين لها، إلى طور المحاسبة على الجرائم الكثيرة المرتكبة في العقد الماضي. وهذا ما تكشفه الإيقافات الأخيرة لشخصيات سياسية من تيارات مختلفة، ولكنها تجتمع في نقطة واحدة، وهي معاداة الرئيس سعيد ومشروعه، والعمل على محاولة إفشاله. 

ومن أبرز الشخصيات التي أوقفتها السلطات التونسية، نور الدين البحيري، الرجل الثالث في حركة النهضة ووزير العدل الأسبق والذي تلاحقه عشرات التهم وأبرزها التورط في الإرهاب ودعمه، فضلاً عن خيام التركي، وزير المالية لفترة وجيزة في عهد حكومة "الترويكا" والمُلاحق داخلياً وخارجياً أيضاً بتهم فساد مالي وخاصة العمل مع أجهزة في الخارج وجهات دولية ضد تونس، بالإضافة إلى كمال اللطيف، وهو رجل أعمال وأحد أكبر النافذين مالياً واقتصادياً وصديق وصندوق الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي حتى فترة قصيرة قبل انهيار نظامه السابق.

ومع أنه قد لا يوجد رابط مباشر بين هؤلاء الثلاثة في الظاهر على الأقل، لكن تصريحات الرئيس سعيد، وتسريبات كثيرة في تونس، تؤكد أن محور التحقيقات معهم، يتمثل في مساءلتهم عن تنسيق وتعاون وتوزيع أدوار، إذ يُتهم السياسيان بالعمل على التحرك مع منظمات دولية وأجنبية وحكومات أو سفارات ضد مصالح تونس. في حين تصدى رجل الأعمال المذكور للملف الاقتصادي، بمحاولة تعميق الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها البلاد، في إطار مشروع أكبر، سبق أن كشف الرئيس سعيد نفسه عن بعض تفاصيله في تصريحاته الرسمية عندما تحدث عن "إرهاب" و"محاولة لاغتيال رئيس الدولة" في سابقة هي الأولى من نوعها، إذ لم يسبق للرئيس سعيد أن تحدث بمثل هذه الصراحة عن محاولة اغتياله مع تحميل جهة معينة مسؤوليتها؛ وهي النهضة.

فشل النهضة:

لا يبدو أن حركة النهضة قادرة حتى الآن على وقف قطار الرئيس سعيد وتصميمه على المحاسبة. فمنذ انتخابات ديسمبر الماضي، وبالرغم من الدعوات ومحاولات الحشد الهائلة، عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، والتنظيمات المختلفة؛ فشلت حركة النهضة وكذلك جبهة الخلاص في أي تحرك شعبي أو جماهيري كبير، وذلك على عكس الاتحاد العام التونسي الذي ظل قادراً على حشد جانب من التونسيين الذين استجابوا له في مناسبات عدة، للاحتجاج على الوضع الاقتصادي، ولكن من دون مطالب سياسية. وهذا ما ينسف من الأساس مقولة حركة النهضة عن قدرتها على تحريك الشارع ضد الرئيس سعيد ومشروعه.

وبالتوازي، مع مُضي الرئيس التونسي في مشروعه لمحاسبة المتورطين في الفساد السياسي والاقتصادي الذي أصبح يهدد الدولة نفسها والتونسيين جميعاً، فقد أثبت التونسيون أنهم استوعبوا درس ما يُسمى "الإسلام السياسي"، وأنهم غير معنيين بإعطاء التيار الإخواني فرصة أخرى للعودة إلى تصدر المشهد في البلاد. صحيح أن التونسيين لم يشاركوا بنسبة كبيرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكنهم رفضوا الوقوف خلف حركة النهضة، ولم يخرجوا في مظاهرات أو احتجاجات دعماً أو تأييداً لها، بل عبّروا في أكثر من موقف ومناسبة عن دعمهم لمبدأ المحاسبة وكشف الملفات السوداء التي نجحت الحركة الإخوانية في حجبها طيلة العقد الماضي، بفضل سيطرتها خلال هذه السنوات على أجهزة الدولة التونسية ومؤسساتها، وهو الأمر الذي عمل الرئيس قيس سعيد على إنهائه بطرق مختلفة، من خلال تغيير مسؤولين متورطين في ذلك، وإنهاء مهام آخرين، إلى جانب المُضي في التحقيقات القضائية والإدارية مع عشرات المتورطين من المستويات الدنيا، وصولاً إلى رؤوس كبيرة، مثل رجل الأعمال البارز كمال اللطيف.

إن المتابع للمشهد التونسي، سيفاجأ حتماً بأرقام كشفت عنها استطلاعات الرأي في الفترة الأخيرة، والتي قُوبلت بهجوم واسع من قِبل بعض الأطراف السياسية، لأنها تنسف فكرة المعارضة للرئيس سعيد، وكل الهالة التي حاول إخوان تونس صنعها، منذ انتخابات ديسمبر الماضي. فبعد أيام قليلة من هذه الانتخابات، أكد استطلاع رأي أن أكثر من 80% التونسيين مستعدون للتصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأثار هذا الاستطلاع جدلاً كبيراً في تونس، إذ سارع معارضو سعيد إلى اتهام شركة "سيغما كونساي" التي نظمته بالتلاعب في نتائجه، من أجل أهداف شخصية، وبالولاء للنظام الحاكم، وغيرها من التهم المزعومة.

كما نشرت شركة أخرى، وهي "ايمرود كونساي"، في منتصف فبراير 2023، استطلاعاً للرأي عن نسبة رضا التونسيين عن أداء رئيسهم، وكشف عن أن 52% من التونسيين راضون تماماً عن أداء قيس سعيد. وبالتالي فإنه بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية، وبالرغم من المشاكل الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها تونس، لا تزال أغلبية المواطنين تثق في الرئيس سعيد، وتدعم أداءه. 

والأكيد أن نتائج التحقيقات مع الشخصيات التي أوقفها الأمن التونسي في الأيام الماضية، ستكشف عن معطيات وحقائق ستُنهي ما تبقى لحركة النهضة من أحلام العودة إلى المشهد السياسي، بعد أن تولى مسؤولية التحقيق حالياً قُضاة وممثلو نيابة، غير موالين للحركة، وغير معنيين بالولاء لها أو بخدمتها، وبعد أن انتهى الأمر بالقاضي الأسبق الذي كان يشرف على مثل هذه الملفات الكبرى، البشير العكرمي، إلى التحقيق معه بتهمة التستر على ملفات الإرهاب والفساد، ثم إلى مستشفى الأمراض العقلية، بعد "إصابته بأزمة نفسية"، وفق البيانات الرسمية.

ختاماً، بعد التطورات السريعة في تونس، وفشل قطاعات واسعة من الطيف السياسي الذي نجح في الهيمنة على البلاد منذ عام 2011، في الحشد ضد الرئيس قيس سعيد و"الانقلاب الدستوري" عليه، فإنه ووفق بعض التقارير في تونس، فإن الضربة الكبرى و"الصفعة القاسية" لحركة النهضة لم تأت فقط من الرئيس سعيد أو حكومته، بل من التونسيين أنفسهم، إذ كشف استطلاع رأي لشركة "ايمرود كونساي" في 15 فبراير 2023 عن أن 64% من التونسيين متفائلون بمستقبل البلاد، بعد الإجراءات والقرارات الأخيرة، ومنها إيقاف شخصيات سياسية، وإطلاق حملة ضد الفساد الاقتصادي والاحتكار، في مقابل 58% فقط كانوا متفائلين بمستقبل تونس في فبراير 2022.